في الفقه الإسلامي كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - فقه
 أحكام الجماعة والجمعة

فصل معقود لبيان أحكام الجماعة والجمعة

كتاب عمدة الراغب في الطهارة والصلاة

al3omdafilFiqh قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح هذا فصل معقود لبيان أحكام الجماعة والجمعة.
قال المؤلف رحمه الله (الجماعةُ على الذكورِ الأحرارِ المقيمينَ البالغينَ غيرِ المعذورينَ فرضُ كفايةٍ)
الشرح الحالُ التي تكون فيها الجماعة فرضَ كفاية هي الجماعة في الصلوات الخمس في حقّ الذكور الأحرار المقيمين البالغين غير المعذورين فخرج بالذكور النساء فليْست فرضًا عليهنَّ ، وخرج بالأحرار العَبيدُ فليست فرضًا عليهم. وخرج بالمقيمين المسافرون فمن دخل بلدةً بنيّة الإقامة أقلّ من أربعة أيّام فالجماعة في حقّه غير فرض.
وخرج بالبالغين الصبيان فليست فرضًا في حقّهم لعدم التكليف لكن يجب على الوليّ أن يأمرَ الطفلَ المميز بالجماعة والجمعة. وخرج بغير المعذورين المعذورون بعذر من الأعذار المسقطة لوجوب الجماعة كالمطر الذي يَبُلُّ الثوب والخوفِ من العدو بذهابه إلى مكان الجماعة وغيرِ ذلك من أعذار ترك الجماعة وهي كثيرة. ويشترط لوجوبها أيضًا العقلُ ولم يُذْكر في المتن لظهور حكمه. ويحصل فرض الكفاية بإقامتها بحيث يظهر الشعار بأن تقام في البلد الصغيرة في محل وفي الكبيرة في محالَّ متعددةٍ بحيث يمكن قاصدَها إدراكُها بلا مشقّة ظاهرة1.
قال المؤلف رحمه الله (وفي الجمعةِ فرضُ عينٍ عليهِمْ إذا كانُوا أربعينَ مكلّفينَ مستوطنينَ في أبنيةٍ لا في الخيامِ لأنها لا تجبُ على أهل الخيامِ. وتجبُ علَى مَنْ نَوَى الإِقامةَ عندَهُمْ أربعةَ أَيَّامٍ صحاح أي غيرَ يومَيِ الدخولِ والخروج وعلَى مَنْ بلغَهُ ندَاءُ صيِّتٍ مِنْ طرفٍ يليهِ مِنْ بلدِهَا)
الشرح أَنَّ الجماعة في الجمعةِ فرض عين فلا تصحّ فُرادى، وفرضيَّتُها على من كان موصوفًا بالأوصاف السابقة الذكورةِ والحريّة والإقامة والعقل والبلوغ وفقدان العذر، وكلُّ ما هو عذرٌ في ترك الجماعة فهو عذرٌ في ترك الجمعة. وإنَّما تجب الجمعة عليهم إذا كانوا أربعين ذكرًا مستوطنًا2 إقامتهم في خِطَّة أبنية3 أي في مكان معدود من البلد ولو كانت الأبنية من خشـب أو قصب أو سَعَفٍ4.
ولا تجب على أهل الخيام5.
وتجب الجمعة على من نوى الإِقامة في بلد الجمعة أربعة أيّام صحاحٍ أي كواملَ غير يومي الدّخول والخروج فأكثر لأنه بذلك ينقطع السفر.
وتجب أيضًا على من توطَّن محلاً يبلغه منه النداء من شخص صيّت أي عالي الصوت باعتبار كونه واقفًا بمستوٍ من طرفٍ يلي السامعَ من بلد الجمعة مع اعتبار سكون الريح6 بحيث يعلم أَنَّ ما يسمعه نداءُ الجمعة ولو لم تتبيَّن الكلمات وذلك باعتبار معتدل السَّمع.
ولا تجب على مسافر إلا أن يكون عاصيًا بسفره. ولا يشترط في المسافر الذي سفره مباحٌ أن يكون سفره مسافة قصر بشرط أن يكون في حكم المسافر قبل الفجر7.
قال المؤلف رحمه الله (وشرطُها وقت الظهر وخطبتانِ قبلَها فيهِ يسمَعُهُما الأربعونَ وأنْ تُصلَّى جماعةً بهم وأَنْ لا تقارنَهَا أخرى ببلدٍ واحدٍ فإِنْ سَبَقَتْ إِحداهُما بالتحريمةِ صحتِ السابقةُ ولم تصحَّ المسبوقةُ، هذا إذا كان يمكنُهُم الاجتماعُ في مكانٍ واحدٍ فإنْ شقّ ذلك صحتِ السابقةُ والمسْبوقةُ)
الشرح شرط صحّة الجمعة أن تقع وقتَ الظهر فلا تُقضى الجمعة جمعةً وإِنَّما تقضى إذا فات وقتها ظهرًا. وتدرك الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام وأما إذا لم يدرك المأموم الإمام إلا بعد الركوع من الركعة الثانية في الجمعة فإنه عندئذ ينوي الجمعة ويصلي أربع ركعات. وتشترط خطبتان قبلها بعد دخول الوقت فلو ضاق الوقت عن الخطبتين والركعتين صلَّوْا ظهرًا. ويشترط في الخطبتين أن يسمعهما الأربعون8 وأن تُصلَّى جماعة بهم وأن لا تقارنها أو تسبقها جمعةٌ أخرى ببلدها، قال الشافعيُّ رضي الله عنه وإن كَبُرَت البلدُ، قال أصحابه يعني إذا لم يشقَّ اجتماع أهل البلد فإذا سبقت إحدى الجمعتين صحَّت وبطلت التي بعدها وإن تقارنتا بطلتا وكذلك إذا لم تُعلم السابقة، والعبرة في السبق والمقارنة بالراء من تكبيرة الإِمام.
قال المؤلف رحمه الله (وأركانُ الخطبتينِ حَمدُ الله والصلاةُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم والوصيةُ بالتقوى فيهِما وءايةٌ مُفْهِمَةٌ في إِحدَاهُما والدعاءُ للمؤمنينَ في الثانية.)
الشرح أن الخطبتين لا تكونان مجزئتين إِلا بهذه الأمور الخمسة أولها حمد الله بلفظ الحَمْدُ لله أو لله الحَمدُ أو حَمدًا لله أو نحو ذلك. والثاني الصلاة على النَّبيّ بنحو اللَّهمَّ صلِّ على محمّد أو صلَّى الله على محمد. والثالثُ الوصيةُ بالتقوى وهي المقصود الأعظم فلا يكفي التحذير من الدُّنيا بل لا بد من الحثّ على الطاعة أو الزَّجر عن المعصية ، ولا يُشترط لفظُ التقوى فلو قال أطيعوا الله كَفَى. وهذه الثلاثة يُشترط أن تكون في كُلٍّ من الخطبتين. والرَّابع ءاية مفهمةٌ كاملة وإن كانت متعلقة بقصة في إحداهما في ابتدائها أو انتهائها أو وسطها والأفضل أن تكون قراءة الآية في الخُطبة الأولى لتقابل الدعاء في الثانية. والخامس الدعاءُ لِلْمُؤمِنينَ الشاملُ للمؤمنات في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.
قال المؤلف رحمه الله (وشروطُهُما الطهارةُ عن الحدثيْنِ وعنِ النجاسةِ في البدن والمكانِ والمحمولِ وسترُ العورةِ والقيامُ والجلوسُ بينَهُما والموالاةُ بينَ أركانِهِما وبينهُما وبينَ الصلاةِ وأَنْ تكونا بالعَربيةِ.)
الشرح أن للخُطبتين شروطًا وهي تسعةٌ الأول الطهارةُ عن الحدث الأصغر والأكبر والطهارة عن النَّجاسة غيرِ المعفوّ عنها في البدن والْمَكانِ وما يحمله من ثوب وغيره. والثَّاني ستر العورة. والثالث القيام فيهما للقادر بالمعنى السَّابق في قيام الفرض فإن عجز فجالسًا ثم مُضطجعًا، والأَولى في هذه الحال الاستخلاف9. والرَّابع الجلوس بينهما فلو تركه ولو سهْوًا لم تصِحَّا وأَمَّا من كان يخطب جالسًا بعذر فيفصل بين الخطبتين بسكتة. وأقلُّ هذا الجلوس قدر الطمأنينة وأكمله قدر سورة الإِخلاص10. والخامس الموالاة بينهما بمعنى أركانهما وبينهما وبين الصلاة لئلا يطول الفصل عرفًا بما لا يتعلّق بهما11 والسادس أن تكون أركان كلٍّ منهما بالعربيّة وإن كان كلُّ الحاضرين أعاجم12. والسَّابع كونهما بعد الزوال. والثامن سماع الأربعين الأركان13 ولا يشترط سماعهم كلَّ الخطبة14. والتاسع كونهما قبل الصلاة.
مسئلة. يحرم التشاغل عن الجمعة ببيع ونحو ذلك كالإجارة15 وكأن يهب مالاً ليهبَهُ في مقابله غرضًا بعد الأذان الثاني ويكره قبله وبعد الزَّوال16، وأما لو ركب الشخص سيارة الأجرة للذهاب لصلاة الجمعة فيجوز لأن هذا ليس فيه تشاغل عنها.
سئل الشيخ: عمن اشترى شيئًا بعد ناسيًا فقال صح شراؤه بلا إثم.
ولا تدرك الجمعة إِلا بركعة كما تقدم.
-------------

1- قال في شرح الروض حتى يظهر الشعار أي شعار الجماعة بإقامتها بمكان في قرية وأمكنة في البلد الكبير اﻫ
2- قال في فتح الوهاب متوطنًا بمحلها (أي الجمعةِ) أي لا يظعن عنه شتـاء ولا صيفًا إلا لحاجة اﻫ
3- قال في شرح التنبيه في شروط صحة الجمعة أحدها أن تكون في أبنية مجتمعة اﻫ
4- السَّعَفة بفتحتين غصن النخل والجمع سعف كذا في مختار الصحاح.
5- قال في إعانة الطالبين ولا تصح من أهل خيام بمحلهم لأنهم على هيئة المستوفزين ولأن قبائل العرب كانوا حول المدينة ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بحضورها اﻫ
6- قال في شرح الروض والمعتبر نداء رجل عالي الصوت يقع على طرف البلد من الجانب الذي يليه وهو في طرف موضعه ويؤذن والأصوات هادئة والرياح ساكنة اﻫ
7- قال في أسنى المطالب فرعٌ. العذر الطارئ ولو بعد الزوال يبيح ترك الجمعة إلا السفر فلا ينشئه بعد الفجر ولو لطاعة كسفر حج فرضًا أو نفلاً كما لا ينشئه مباحًا كسفر تجارة أما بعد الزوال فلأنها لزمته فيجرم اشتغاله بما يفوتها كالتجارة واللهو ولا يقدح كون الوجوب موسعًا إذ الناس تبع للإمام فيها فتعين انتظاره وأما قبله فلأنها مضافة إلى اليوم وإن كان وقتها بالزوال اﻫ
8- أي يسمعون أركانهما.
9- قال في روضة الطالبين الثالث القيام فيهما مع القدرة فإن عجز عن القيام فالأولى أن يستنيب ولو خطب قاعدًا أو مضطجعًا للعجز جاز كالصلاة ويجوز الاقتداء به اﻫ
10- قال في إعانة الطالبين (وأن يقرأها فيه) أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص في الجلوس المذكور اﻫ
11- قال في إعانة الطالبين والحاصل الولاء معتبر في ثلاثة مواضع الأول بين الخطبتين فلا يطيل الفصل بينهما والثاني بين أركانهما والثالث بينهما وبين الصلاة فلا يطيل الفصل بين الثانية منهما وبين الصلاة اﻫ
12- قال في إعانة الطالبين وشرط فيها عربية وإن كانوا كلهم عجمًا اﻫ
13- قال في إعانة الطالبين قوله إسماع أربعين أي بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون اﻫ
14- قال في إعانة الطالبين قوله لا جميع الخطبة أي لا يشترط إسماعهم جميع الخطبة فلو أَسَرَّ في غير الأركان صحت الخطبة اﻫ
15- قال في إعانة الطالبين قوله وحرم على من تلزمه الجمعة نحو مبايعة أي لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوا إلى ذكر الله وذروا البيع﴾ فورد النص في البيع وقيس عليه غيره ومحل الحرمة في حق من جلس له في غير الجامع أما من سمع النداء فقام قاصدًا الجمعة فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع فإنه لا يحرم عليه اﻫ قال في فتح الوهاب كما صرح به في التتمة ونقله في الروضة قال وهو ظاهر لكن البيع في المسجد مكروه اﻫ
16- كما في فتح الجواد وغيره.